Translate

الثلاثاء، 3 يوليو 2012

لا تقتلوا أولادكم سراً


لا تقتلوا أولادكم سراً

·       هل من الممكن أن تقتل الأم وليدها الرضيع دون أن تشعر؟
·       هل تعد جريمة أن تستمر الأم في إرضاع طفلها إذا حدث لها حمل أثناء الرضاعة؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«لا تقتلوا أولادكم سراً فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه».
        (أخرجه أبو داود وابن ماجة في سننهما).
والحديث الصحيح بفلظ آخر؛ وهنا يقسم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لا تقتلوا أولادكم سراً فوالذي نفسي بيده أن الغيل ليدرك الفارس على ظهر فرسه حتى يصرعه».
        (أخرجه ابن حيان في صحيحه والبيهقي والإمام أحمد في سننهما).
        والغيل هنا (بالفتح) هو لبن الأم المرضع إذا حدث لها الحمل أثناء الرضاعة، وسمي بالغيل لشدة ضرره فكأنما يغتال الطفل ويفتك به.!
        ويُقال في البناء قد تدعثر إذا تهدم وسقط، وأراد سيد الخلق (صلى الله عليه وسلم)، وهو الذي أوتي مجامع الكلم، أن يبين لنا في هذا الحديث الصحيح أن المرضع إذا حملت فسد لبنها، وأصبح أشبه ما يكن بالسم البطيء، فينهك الولد إذا اغتذى بذلك اللبن فيصبح خاوياً، حتى إذا ما بلغ مبلغ الرجال وصار رجلاً فارساً وركب الخيل فركضها، أدركه ضعف الغيل، فزال وسقط عن متونها فكان ذلك بمثابة القتل له، غير أنه سر لا يرى ولا يشعر به، حتى أن العرب تقول في الرجل تمدحه: «ما حملته أمه وضعاً ولا أرضعته غيلاً».
        وكلمة سراً هنا – في قتل الطفل – غاية في الإعجاز، فهي إعجاز لغوي وعلمي أيضاً، وذلك لأسباب ثلاثة: أولها: أن الأم الحامل التي ترضع وليدها لا يلحظ أحد أنها حامل؛ واللبن الفاسد الذي ترضعه لوليدها قد فسد سراً، فلا يعلم بفساده وخطورته على الرضيع إلا الله سبحانه، حتى الأم نفسها لا تدري أن اللبن قد فسد؛ كذلك عندما يظل تأثير هذا اللبن الفاسد بحيث يؤثر في الرضيع مدى الحياة، فيضعفه نفسياً وعقلياً وصحياً، إلى درجة أنه قد يودي بحياته على المدى البعيد، فأيضاً لن يدرك أحد – بل لن يتخيل أحد بعد سنوات طويلة – أن اللبن الفاسد هذا هو سبب هلاكه – إلا المولى عز وجل فأصبح ذلك أيضاً سراً لا يدرك.
        ويعتبر لبن الأم المصدر الرئيسي لتغذية الطفل؛ وهو الطعام المثالي للطفل خلال السنة الأولى من عمره: ذلك لأنه يعطيه أفضل ما يمكن لنموه الطبيعي عامة، والذهني بصفة خاصة، علاوة على فوائده المناعية والنفسية.
        ويتكون لبن الأم – إلى جانب الماء والذي يشكل 89% منه – من ثلاثة مكونات:
1-   المواد الكربوهيدراتية وتصل إلى حوالي 6%.
2-   المواد الدهنية وتصل إلى حوالي 4%.
3-   والبروتينات وهي لا تشكل أكثر من 1% من مكونات لبن الأم.
أولاً : بروتينيات لبن الأم
        وهي تُصنع في داخل ثدي الأم نفسه، ومن إعجاز الله سبحانه ولطفه ورحمته، أن بروتينيات لبن الثدي لا تتأثر بكمية البروتينيات التي تتناولها الأم، فحتى لو كانت الأم فقيرة أو غير ميسورة الحال، يظل لبنها يوفر البروتين اللازم لنمو الطفل وذلك حفاظاً على حياته ونموه ككل، فلا ارتباط لبروتين لبن الثدي بتغذية الأم.
        وقد ثبت ذلك حتى في أوقات المجاعات، حيث وجد أن لبن الأم تظل كمية البروتين به ثابتة غير متأثرة بالمجاعة، بحيث يدر من البروتينيات ما يكفي لنمو الطفل، فلا يتأثر بروتين اللبن بهذه المجاعات.
ثانياً : المواد الكربوهيدراتية بلبن الأم
        ويشكل اللاكتوز (سكر اللبن) 90% من هذه المواد الكربوهيدراتية الموجودة بلبن الأم. واللاكتوز هذا له أهمية قصوى في نمو الطفل عامة والجهاز العصبي للطفل على وجه الخصوص. والمواد الكربوهيدراتية لها أيضاً أهمية كبرى في الموصلات داخل الخلايا وبين الخلايا بعضها البعض.
        ولذلك: إذا انخفضت نسبة اللاكتوز في لبن الأم فإن ذلك حتماً يؤثر تأثيراً بالغاً على نمو الطفل بصفة عامة، وعلى نمو الجهاز العصبي للطفل على وجه الخصوص.
        وهكذا كانت هناك علاقة طردية بين مستوى لاكتوز اللبن وحجم المخ في الأجناس المختلفة. ولما كان مخ الإنسان البشري هو الأكبر حجماً في الأجناس، لم يعد ذلك غريباً، إذ أن ذلك يعكس ببساطة نسبة اللاكتوز الأعلى الموجودة في لبن الأم المرضع.
ثالثاً : الدهون في لبن الأم
        وهي مصدر هام للطاقة، إذ تعطي الطفل أكثر من 50% من السعرات الحرارية اليومية التي يحتاجها الطفل. وعلاوة على ما توفره هذه الدهون من حماية للطفل من الفيروسات والطفيليات، وكذلك المحافظة على الوظائف الحيوية للخلايا، فإن لدهون لبن الأم أهمية بالغة في نمو وتكوين وعمل المخ والجهاز العصبي ككل.
        في أول سنة من العمر يتضاعف حجم المخ بحيث يبلغ ثلاثة أضعاف حجمه عند الولادة، وقد وجد أن 60% من هذا النسيج الذي يتضاعف يتكون فقط من المواد الدهنية.
        ولكي أتبين الحكمة من هذا الحديث الشريف أجريت دراسة شملت ستون سيدة بعضهن مرضعات حوامل والأخريات مرضعات لسن بحوامل: وقمت بتحليل لبن الثدي فيهن لمعرفة إلى أي مدى يحدث تغير في مكونات لبن الأم المرضع نتيجة للحمل، وفوجئت بأن نسبتي اللاكتوز (سكر اللبن) والدهون قد انخفضتا وبصورة إحصائية ملحوظة في لبن الأم، ولكن فقط إذا كانت الأم حاملاً، فالحمل إذاً أضعف هذين المكونين الهامين، ولما كان لهذين المكونين أثر بالغ وأهمية قصوى من حيث نمو المخ والجهاز العصبي خاصة، بل وسائر أنسجة الطفل الأخرى على وجه العموم فصدق رسول الله صلوات الله وسلامه عليه والذي لا ينطق عن الهوى، في نصيحته البالغة وتحذيره الهام، ذلك بأن تتجنب الأم رضاعة وليدها نهائياً إذا كانت حاملاً، فإن الطفل الذي يرضع من هذا اللبن يشب ضعيفاً، هزيلاً خائر القوى جباناً، مفتقراً لكمال الجسم والعقل والنفس، إلى درجة أنه لا يستطيع أن يتماسك ويستقر فوق جواده لافتقاره القوة البدنية واتزانه العقلي والنفسي فيسقط على الأرض وقد يموت، ذلك أنه قد أدركته ضراوة الغيل الذي لا يرحم.
       لذلك فإن نصيحتي للأمهات أن يتجنبن حدوث الحمل أثناء فترة الرضاعة باستعمال وسيلة مناسبة، وإذا حدث لهن الحمل فواجبهن أن يوقفن الرضاعة فوراً وإلا قتلن أطفالهن.
        صدقت يا سيدي يا رسول الله، وصدق الله تعالى حينما قال في مُحكم آياته: 

(وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىفقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث منذ أكثر من 1400 سنة.

أ. د/ محمد المليجي
أستاذ ورئيس قسم النساء والتوليد
بطب القاهرة



تخريج الحديث
        حدثنا (الربيع بن نافع) أبو توبة حدثنا محمد بن مهاجر عن أبيه عن أسماء بنت يزيد بن السَّكَنِ قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«لا تقتلوا أولادكم سراً فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه».
1-    أخرجه أبو داود في سننه جـ4/ ص8 (ح) 3881 – كتاب الطب – باب في الغيل – طبعة دار الريان – بلفظه.
2-  أخرجه ابن ماجه في سننه جـ1/ ص648/ (حديث رقم) 2012 – كتاب النكاح – باب الغيل – طبعة عيسى الحلبي.
ولفظه: لا تقتلوا أولادكم سراً فوالذي نفسي بيده إن الغيل ليدرك الفارس على ظهر فرسه حتى يصرعه.
3-  أخرجه البيهقي في السنن الكبرى جـ7، ص464 – كتاب الرضاع – باب ما جاء في الغيله – طبعة دار المعرفة بلبنان – بلفظه.
4-  أخرجه ابن حبان في صحيحه جـ13/ ص322 (حديث رقم) 5984 – كتاب الجنايات – ذكر الزجر عن قتل المرء ولده سراً.
ولفظه: لا تقتلوا أولادكم سراً فإن قتل الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه.
5-    أخرجه الإمام أحمد في سننه جـ6/ ص453 – طبعة المكتب الإسلامي.
ولفظه: لا تقتلوا أولادكم سراً فإن قتل الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن ظهر فرسه وأيضاً 6/457.
ولفظه: لا تقتلوا أولادكم سراً فوالذي نفسي بيده أنه ليدرك الفارس فيدعثره وأيضاً 6/458.
ولفظه: لا تقتلوا أولادكم سراً فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره من فوق فرسه.  

التدرج الوظيفى للدكتور محمد المليجى